السبت، 28 يوليو 2012

طرائف الـ«فيس بوك»


طرائف الـ«فيس بوك»

بالنسبة لي كقارئ، لم أكن أعلم أن هنالك كتاباً وشعراء وفلاسفة وحكماء بهذه الوفرة، إلا بعد مشاركتي في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».
والغريب هو أن ثمة كتابات أستغرب أنها غير معروفة وغير منشورة وغير مقروءة من قبل، وأستغرب أن أصحابها هم أشخاص مجهولون في عالم الكتابة والأدب، وفي المقابل، فقد أتاح هذا الموقع الفرصة الخيالية لمن يظن أنه أكبر موهوب في العالم، وأن حقه مهضوم ومنتهك من قبل الإعلام الذي لا يهتم إلا بالنجوم.
الطرافة في الـ«فيس بوك»، تكمن في عناصر عدة، فقد يعثر كاتب متمرس ومعروف على جملة عابرة لشخص عادي، وتصبح هذه الجملة بمثابة الأساس لقصيدة أو قصة للكاتب المتمرس، من دون حسيب أو رقيب، وببساطة شديدة يستطيع الكاتب إنكار قراءته هذه الجملة العابرة في موقع يشارك فيه مئات الآلاف العرب وربما الملايين، وهي حجة مقنعة جداً، خصوصاً حين تأتي من كاتب معروف ضد شخص لم يسمع اسمه كاتب أو إعلامي من قبل.
ومن العناصر الأخرى، استعاضة البعض عن اسمه بصفة ما، كأن ترى شخصاً يدعو نفسه «فارس المجد» أو «أمير القلوب» وما إلى ذلك، وهذه مسألة تعود ربما في جذورها إلى حكاية الأسماء الحركية في مرحلة ما، حين كانت الأسماء من فصيلة «أبوحديد» و«كاسترو»، وما إلى ذلك من «أبوات» حفظناها طويلاً، ويبدو أن الغاية هي لفت الانتباه في المقام الأول، وإرضاء الذات أيضاً، خصوصاً أن هذه البدائل تحمل معاني قوية وأصيلة.. «فارس المجد»، «أمير القلوب»، «زنبقة»، ولا بأس في ذلك إلا إذا كان في الأمر إخفاء متعمد للاسم، لأجل قول ما لا يستطيع أحد محاسبته عليه، أو إبعاد الأهل والأقارب عما يحدث لهذا الشخص الذي قد يتورط في مشاحنات أحياناً مع أشخاص آخرين، وقد يلح في التحرش ببعض الأسماء النسوية أيضاً.
العنصر الآخر، هو أنك تكتشف أن لكل شخص في الموقع مجموعة من الأصدقاء، وهؤلاء فقط يتبنون آراء بعضهم بعضا، ويمجدون أقوال بعضهم بعضا، وغير مستعدين لمشاركة مجموعات أخرى آراءهم حواراً ونقاشاً، وتبادل أفكار يؤدي إلى فائدة بالضرورة.
لكن الأمر الأكثر مدعاة للتأمل، هو أننا لا نجيد الحوار، ولا نعرف معنى تبادل الرأي، ولا نعترف بأخطائنا، ولا ندرك أن هنالك بشراً قابلين للخطأ والصواب، ولذلك ترى في الموقع علامات الإعجاب هي الطاغية، من دون تعليق مقتضب وثري، وحين تبدي رأياً ما في قضية ما، فإنك تتوقع ردوداً تحاور هذا الرأي وتسائله وتستجوبه ثقافياً وفكرياً، ولكنك تفاجأ بعلامة الإعجاب فقط، أو ـ وهنا الطامة الكبرى ـ بشتائم وبذاءات يخجل المرء من قولها بينه وبين نفسه. وهؤلاء يظنون الآخرين من جنس الملائكة، ولا يعرفون أن استفزاز شخص هادئ قد يؤدي به إلى الرد بشتائم أقذع.
ثم نأتي إلى مسألة الإضافة والحذف، فأنت تجد أحدهم يطلب إضافته إلى قائمتك، ومن المفترض أن يكون رأى صفحتك وقرأ شيئاً من اهتماماتك ورأى بعض أصدقائك، ما يعني أنه كوّن فكرة ما ـ ولو مختصرة ـ عنك، لكنك تفاجأ به بعد كتابتك جملة أو اثنتين يشطب نفسه وينسحب من قائمة الأصدقاء، وهنالك الكثير الكثير مما يستحق أن يُقال في هذا التواصل السريع، لكن المجال لا يتسع الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق